بروفيسور/د فيصل عبد اللطيف الناصر
كلية طب أمبريل : لندن
رئيس مركز الرعاية الصحية المنزلية
على الرغم من أن التثاؤب يعد سلوكًا إنسانيًا شائعًا، إلا أنه لم يتم تدريسه بالتفصيل في كليات الطب لذا لم يعرف سببه او أهميته الفسيولوجية, لكن ليس من المنطق اعتبار التثاؤب مجرد انعكاس للشعور بالتعب او الملل او النعاس بل قد تكون له أهمية جوهرية تحتاج إلى المزيد من البحث والمعرفة.
يفترض أبقراط (أبو الطب) أن التثاؤب يسبق الحمى وهو وسيلة لإزالة الهواء السيئ من الرئتين, إلا ان هنالك العديد من النظريات التي تحاول تفسير اسباب التثاؤب فتقول احداها إنه يساعدنا على استحواذ المزيد من الأكسجين ودفعه إلى الدم والتخلص من المزيد من ثاني أكسيد الكربون من خلال زيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب وتلك العملية تؤدي إلى تحسين الاداء الوظيفي والحركي للجسم وبالتالي يُعتقد أن التثاؤب يزيل “الهواء السيئ” من الرئتين ويزيد من دوران الأكسجين في المخ. وهذا ما يفسر سبب تثاؤب العديد من الرياضيين قبل ممارسة الألعاب الرياضية الخاصة بهم, و قيل إن التثاؤب مثل الكافيين قد يلعب أيضًا دورًا في رد الفعل الاستثنائي لإستيقاظ الدماغ, وفي الآونة الأخيرة تم اكتشاف وظيفة فسيولوجية أخرى للتثاؤب فهو ينظم درجة حرارة المخ فهو قد يبرد المخ عندما تزداد حرارته حيث تؤدي تقلص عضلات الوجه واسترخاءها أثناء التثاؤب إلى زيادة تدفق الدم في الوجه مما يساعد على سحب حرارة الدماغ عن طريق الأوردة, كما يؤدي الفتح الكبير للفم واستنشاق الهواء البارد أثناء التثاؤب إلى تغيير في درجة حرارة الدم المندفع من الرئتين إلى المخ اضافة الى ذلك فإن نزول الدموع من العينين لدى بعض الناس اثناء ذروة التثاؤب يقوم بدور مهم جداً في تبديد حرارة الجمجمة. كما ويساعد التثاؤب على انقباض العضلات وبالتالي تتنشيطها وخصوصا العضلات الاكثر استخدماً في الانسان كتلك التي تستخدم في الكلام و التنفس والبلع.
والتثاؤب يخفف من الشعوربعدم الراحة الذي يحدث في الأذن عند اختلاف ضغط الجو الخارجي والذي عادة ما يحصل اثناء ركوب الطائرات او المصاعد. و قد يكون التثاؤب مرتبطًا بإيقاعات الساعة البيولوجية (الساعة التي تحدد اليقظة والنوم خلال ال 24 ساعة) كإشارة للذهاب إلى الفراش أو الاستيقاظ من النوم وقد يكون وسيلة لنقل الشعور بالملل أو التوتر إلى من هم حولك, كما يرتبط التثاؤب بمشاهدة المشاهد المتكررة والغير مثيرة للاهتمام على عكس المنبهات المثيرة للاهتمام.
لذا ارتبط التثاؤب منذ زمن طويل بالنعاس والملل ومع ذلك فإن هذا الاعتقاد القديم قد تغير لأن نتائج بعض الدراسات الحديثة أوضحت أن التثاؤب قد يكون وسيلة تحاول بها أجسامنا تحقيق بعض الأهداف الأكثر أهمية سواء الصحية او التواصل مع الاخرين.
والتثاؤب عملية معقدة تحدث عند الإنسان والحيوان وفي كل الاعمار وذكر العلماء انها تبدأ في الأجنة مع الاسبوع 15 من الحمل وتزداد لدى كبار السن. وخلال عملية التثاؤب يعطي الدماغ إشارات عبر الأعصاب إلى العضلات وإلى القلب والرئتين فتحصل خلالها حركة متناسقة بين عضلات الصدر والحجاب الحاجز والحنجرة والحلق والفم. وعندما تبدأ فلا يمكن إيقافها ولكن بالإمكان إبطائها فتستمر من أربع الى ست ثواني حتى تصل إلى قمتها عندما يبقى الفم مفتوحاً والهواء بداخله من اثنين الى اربع ثوان ويتبع ذلك زفير سريع.
لا يمكننا التثاؤب بالأمر إلا انه معدي ويؤثر على المحيطين فعند مشاهدة شخص ما يتثاءب تصاب بالتثاؤب ووفقًا لبعض الدراسات فإن 42-55٪ من البالغين يتثاؤبون أثناء أو بعد مشاهدة شريط فيديو لشخص آخر يتثاءب بشكل متكرر وللعلم فانك بعد قراءتك لهذا المقال قد تجد نفسك تتثاؤب لان فكرة التثاؤب قد ثبتت في راسك.
وتشير الأدلة المستفيضة إلى أن قابلية التثاؤب المعدي تقل في المرضى الذين يعانون من اضطرابات تؤثر على قدرة تفاعلهم الاجتماعي كمرض انفصام الشخصية والتوحد .
هنالك امراض وحالات عديدة يزداد فيها التثاؤب كالأمراض العصبية المزمنة ومشاكل في الدماغ كمثل السكتة الدماغية والأورام واستخدام بعض الأدوية كمضادات الاكتئاب وارتفاع درجة حرارة الجو الذي يجعل التثاؤب أكثر تكرارا حيث لوحظ أن وضع الكمادات الباردة على الرأس يخفف من التثاؤب.