بروفيسور/د فيصل عبد اللطيف الناصر
كلية طب أمبريل : لندن
رئيس مركز الرعاية الصحية المنزلية
لماذا نشعر بالألم؟ هل نحتاج للألم؟ لماذا اوجد الله الألم وهل الألم نقمة أم نعمة؟ لقد عرّفت منظمة الصحة العالمية الألم بأنه “تجربة حسية أو عاطفية غير مرغوبة ترتبط بضرر فعلي أو محتمل في الأنسجة”.
وبالرغم من ان الألم هو شعور غير سار الا انه يعتبر نعمة من الله وهبها للإنسان لما له من فوائد عديدة فهو يشعر الإنسان بحدوث متغيرات في جسمه قد تعرضه للخطر فيمّكنه من تفادي الإصابة او المضاعفات.
إن تجربة الألم تعزز أنظمة الدفاع في الجسم وتمنعه من التجارب الغير سارة التي قد تعرض لها سابقاً كما يوفر الألم قوة دافعة للتعلم وتحسين المهارات وتحقيق التغيير الإيجابي فلن يتمكن الرياضي على سبيل المثال الفوز دون معانات آلام التدريب المضني ولن يتمكن الشخص من الوصول الى الوزن المثالي دون الصبر على الامتناع عن الاطعمة وكل ذلك يبني القدرة على التحمل والصبر, كما يذكرنا الألم بتجنب السلوكيات السيئة وعدم تكرارها مما يعطينا الحكمة, والألم يجمع الناس ويعزز التعاطف والدعم الاجتماعي حيث يوفرون المساعدة كما يعطينا التوازن ويذكرنا بقدرة الله وبمحدودية قدراتنا لكي لانطغى على الاخرين. ومن الممكن أن يكون الألم إشارة تحذير لأمر خطير او لمشاكل صحية في الجسم كمثل تلف الانسجة او التهاباتها عن طريق القطع أو الكسر على سبيل المثال لكي يفعل شيء تجاه ذلك وإلا قد يتعرض لخطر حدوث تلف او الحرق عندما يلمس سطح ساخن.
وللتعرف على الألم فلابد من التطرق بدايةً لفسيولوجيا الألم الذي يبدأ بإشارات صادرة من مكان الإصابة عبر الألياف العصبية إلى الحبل الشوكي ومن ثم الى جزء الدماغ المسمى Thalamus فتتفاعل المعلومة ويتم تحليل تلك الاشارات وبالتالي إفراز بعض الهرمونات التي تشعر الشخص بحدوث المشكلة فيقوم بتفادى المزيد من الاصابة. فعلى سبيل المثال عند حدوث اي تهيج لأي جزء من الجسم كمثل ملامسة موقدًا ساخنًا فإن المستقبلات الحسية في بشرتنا ترسل الرسالة ويأتى الرد سريعاً بالإحساس في ذلك الجزء من الجسم ويتم التفاعل مع الألم سواء بالانزعاج أو الغضب او التأثر النفسي اضافة الى التفاعل اللاإرادي لإستجابة منعكسة للخلايا العصبية الحركية فتتقلص عضلات الذراع لتبعده بعيدا عن مصدر الاذى وكل ذلك يحدث في جزء من الثانية.
وللألم انواع فأي خلل في اي جزء من الجسم يصاحبه نوع معين من الألم فقد يكون حاداً اوان يكون مزمناً (يستمر لفترة طويلة) وقد يحدث بصورة فجائية ولمدة قصيرة او يحدث بصورة بطيئة وقد يحدث في جزء من الجسم بينما يسمع في جزء اخر او قد لا يكون الألم لأية أسباب عضوية بل لمشاكل نفسية او عاطفية او اجتماعية او روحية.
ان الاحساس بالألم هو إحساس شخصي يعتمد على الشخص ذاته فإن اصاب شخصين نفس مسبب الألم كالوخز مثلاً فإنهما لا يشعران بنفس درجة الألم فهناك عوامل عديدة تؤثر على درجة الألم وشدته وتختلف من شخص الى اخر ومن ذكر الى انثى ومن طفل الى بالغ والى مدى اللياقة الصحية ومدى تاثيرالعوامل الوراثية اوالاجتماعية اوالنفسية اضافة الى العلاقة بمهنة الشخص, وبالتالي تختلف ردة الفعل للألم فهنالك من يتحمل وهناك من ينفعل واخر قد يجهش بالبكاء.
ولتشخيص مسببات الالم فلابد من معرفة ستة امور رئيسية: الأولى نوعية الألم (كمثل وخزات الابر اوالحرارة او قاطع كالسكاكين او ثقل على الصدر) و ثانيا زمن بدء الألم وثالثا معرفة اذا ما كان الألم في ازدياد أو نقصان ورابعا مكان الالم وهل الألم يُسمع في مكان آخر وخامسا العوامل المؤديه الى زيادة او انخفاض حدته وأخيرا معرفة إذا ما كانت هناك عوارض مصاحبة للألم.
هذا وقد يحدث الألم بسبب مشاكل عاطفية او نفسية في غياب أي سبب عضوي محدد بشكل واضح كمثل موت عزيز أو عدم القدرة على مجاراة الامور والصعوبات اليومية, فيعبر الجسم عن هذه المشاعر بشكل ألم. هنا يجب ألا يتم التركيز على مسكنات الألم فحسب ولكن لابد من تحديد ومعالجة الاسباب الرئيسية المؤدية لذلك الألم لأن الإنسان ليس مجرد مجموعة من الأعضاء المستقلة تحت جلد واحد ولكن هنالك جهاز عاطفي ونفسي قد يختل مما يؤدي الى أعراض كآلام في الجسم ومع الاسف الشديد غالباً ما يتجاهل بعض الاطباء تلك الحقيقة.
ولإبراز اهمية الشعور بالألم تخيل أنك لا تصاب بالألم عند حدوث اي امر عارض في الجسم لذا فانك ستستمر في نشاطك المعتاد عليه مما قد يتسبب في مضاعفات لدى الطرف المصاب فمثلا عدم الشعور بألم الحرارة عند ملامسة اجسام حارة حتما سيؤدى الى حرق العضو وتلف الأنسجة مما قد يؤدي إلى الموت.
وختاما فان حاسة الألم تعتبر نعمة لابد من حمد الله عليها.