هو أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي، من علماء القرن الثالث الهجري، ولد بمدينة الري جنوبي طهران بفارس سنة 250 هـ / 864م وسمي بالرازي نسبة إلى هذه المدينة. تنقل بين مدينة الري وبغداد التي استقر بها في زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله جعفر بن المعتضد عضد الدولة.  أهتم بأمور متعلقة بالبيئة بالسلامة فاستخدم موهبته عندما استشاره الخليفة عن الموقع الذي من الممكن بناء البيمارستان فيه. فقام بتوزيع قطع من اللحم في أماكن مختلفة من ضواحي مدينة بغداد، وبعد عدة أيام طاف على الأماكن التي وضع القطع فيها ليرى تأثير الجو والزمن عليها، فإذا تَلِفَتْ بسرعة اعتبر أن المنطقة لا تصلح لإقامة المشفى، أما إذا ظلت قطعة اللحم دون أن يصيبها التلف أو تأخرت، فدليل على طيب هواء المنطقة والصلاحيه لإقامة المشروع.  وعندما أنشأ الخليفة مستشفى الري جعله رئيساً لأطبائها.

 عمل في بداية حياته بالصرافة, وكان يحب الموسيقى و يضرب علي العود ويغني وينظم الشعر في صغره. ولكنه تـرك الغنـاء عندما التحــى وجهـه قائلا: ” كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف”.

 كان من أعظم الأطباء المسلمين في العصور الوسطى، تتلمذ في علوم الطب على يد علي بن زين الطبري (صاحب أول موسوعة طبية عالمية “فردوس الحكمة”)، والفلسفة على يد البلخي. فكان متقناً لمهنة الطب، عارفاً بأوضاعها وقوانينها، حتى اشتهر وأصبح معروفاً فقصده الطلبة وطالبي العلم من جميع الجهات لكي يتعلموا فأصبح مرجعاً لمعظم الحالات المرضية المستعصية.

قال عنه النديم: “كان الرازي أوحد دهره، وفريد عصره، قد جمع المعرفة بعلوم القدماء سيما الطب”.ويصفه ابن أبي أصيبعة في كتابه “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”  بقوله: ” كان الرازي ذكياً فطناً رءوفا بالمرضى، مجتهداً في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه، مواظباً للنظر في غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها وكذلك في غيرها من العلوم بحيث انه لم يكن له دأب ولا عناية في جل أوقاته إلا في الاجتهاد والتطلع فيما قد دونه الأفاضل من العلماء في كتبهم”. ولقب بجالينوس العرب, أمير الأطباء، أبقراط العرب، منقذ المؤمنين. وقيل عنه  “كان الطب معدوما فأوجده أبقراط, وميتاً فأحياه جالينوس, ومشتتاً فجمعه الرازي”.

كان ذو ذاكرة قوية لا يضيع وقتاً إلا في التعلم والقراءة مدوناً كل ما يقرأ وخاصة في المساء، فقد كان يضع سراجه في مشكاة على حائط يواجهه، وينام في فراشه على ظهره ممسكًا بالكتاب حتى إذا ما غلبه النعاس وهو يقرأ سقط الكتاب على وجهه فأيقظه ليواصل القراءة من جديد.

إمتاز بكثرة التدوين فكانت مؤلفاته شاملة جامعه لأبحاثه المبتكرة وآرائه ولعلوم اليونان والهنود. فله 220 كتاب ومخطوط ومقال في مختلف العلوم, ضاع جزء كبير منها وبقى البعض الاخر في المكتبات الغربية. شملت مؤلفاته كتباّ في الطب، وفي الطبيعيات، والمنطق والرياضيات والنجوميات وما وراء الطبيعة والفلسفة والإلهيات والكيمياء وفي الشروح والتراخيص والاختصارات، والفنون المتنوعة. امتازت مؤلفاته بالعلمية والموضوعية فحاول الابتعاد عن المصطلحات الغامضة والخرافات الشائعة في عصره. وكتبه في الكيمياء كانت غنية بالمعلومات مما جعلت مؤرخو العلوم يصنفونه “بمؤسس الكيمياء الحديثة في الشرق والغرب” فترجم العديد منها إلى اللاتينية. وظلت كتبه كمراجع أساسية لدراسة الطب في أوربا حتى القرن 11)هـ  17م)،  فكان لها اكبر الأثر في الارتقاء بهذا العلم وتطويره.