إن علاقة الحالة النفسية والأمراض العضوية قوية ومعقدة جداّ فمعظم الأمراض النفسية تبدو فى هيئة أعراض وشكاوي عضوية كما أن الكثير من الأمراض العضوية تكون ناتجة عن مسببات نفسية. إلا أن حدة التعرض للإجهاد النفسي وتأثيراته على البدن تختلف من شخص لآخر معتمدة على عدة عوامل منها الوراثية ونوعية وقوة الشخصية ومدى الدعم الاجتماعي المقدم للشخص. فالتوتر والقلق المزمنان لهما تأثير كبير على النظام المناعي فى جسم الانسان والذي قد يعرِّض الشخص في نهاية المطاف إلى الإصابة بالعلل والأمراض المتنوعة. وقد بينت الدراسات والبحوث من أن 50% إلى 70% من مسببات الأمراض العضوية وخصوصاّ الغير سارية قد ينتج بسبب خلل في الجهاز النفسي لما له من تأثير على الدماغ. فمن المعروف أن مخ الإنسان يتحكم في عمل كل أعضاء وأجهزة الجسم من خلال إفراز العديد من الإنزيمات والهرمونات التيى تعمل على إتزان الشرارات الكهربائية الصادرة من الأعصاب إلى الأجهزة المعنية في الجسم, لذا فإن توتر الحالة النفسية يتسبب في عدم اتزان تلك الإفرازات وبالتالي خلل فى جهاز التحكم.
يتعرض الإنسان على مدى حياته وبصورة اعتيادية للكثير من القلق والتوتر والخوف بسبب العوارض اليومية التي تواجهه والناتجة عن ضغوط العمل والظروف البيئية والمجتمعية المتعددة المحيطة ولكن يتمكن الجسم من التأقلم مع هذه المشاكل إلا أن الإفراط فيها يؤثر تأثيراً مباشراً على الدماغ وبالتالي على معظم أجهزة الجسم. فالإجهاد النفسي أو التفكير المستمر والقلق المزمن بسبب العمل والخوف المفرط من المستقبل مثلا قد يؤثر تأثيراً مباشراً على الكثير من أعضاء الجسم, فمثلا يؤدي تأثيره على القلب إلى زيادة النبض وعلى شرايين الدم بارتفاع الضغط وظهور الأعراض المصاحبة لتقلص الشرايين وعلى الجهاز الهضمي وخصوصا المعدة يتسبب في ازدياد افراز الأحماض المعوية التي تؤدي مع الوقت لحدوث تقرحات فى جدار المعدة وأسفل المرىء, كما أن الضغوط النفسية تعرض الإنسان للإصابة بالكثير من الالتهابات الأخرى كإلتهاب المفاصل الروماتيزمية والأكزيما والحساسية. ولايخفى على أحد من إن الصدمات العصبية والنفسية المفاجأة كموت أحد أفراد العائلة قد يتسبب في إصابة المحب بحالة نفسية سيئة والانحدار السريع في الصحة لعدم التمكن من التأقلم مع الوضع المستحدث فموت أحد الزوجين بعد وفاة الآخر بفترة قصيرة لهو أكبر دليل على ذلك. ولكن يبقى من أهم المضاعفات الصحية الخطرة التي تصيب الإنسان عند اختلال الجهاز النفسي هو اعتلال جهاز مناعة الجسم وبالتالي زيادة احتمالات الإصابة بالأورام والسرطانات المختلفة.
لذا نجد مما ذُكر بإن الارتباط بين الحالة النفسية والأمراض العضوية وثيق جداّ وبالتالي لا يمكن اهمال الجوانب النفسية للمرضى من قبل الطبيب والعاملين في المجال الصحي عند معالجتهم أو اعتنائهم بالمريض لأي سبب وخصوصا الأمراض العضوية.